رام الله- سامر البرغوثي
لا يكاد يوم يمر دون أن تصل إليّ عبر البريد الالكتروني رسالة "دعوية" في ظاهرها، من مجهولين يرسلونها لأكبر عدد من مستخدمي شبكة الإنترنت، حاملة في سطورها عبارات ترغيب وترهيب، ومن ذلك بعض العبارات التي جاءت في إحداها:
"اقرأها بدقة وأرسلها إلى ثلاثين شخصاً وإلا ستندم ندماً شديداً، وقد أهملها شخص فمات بعد ثلاثة أيام والده، واهتم بها شخص ونسخها ثلاثين نسخة ووزعها فرزقه الله بمبلغ قدره مئة ألف شيكل وقد أثبتت فعاليتها"، وغيرها من الرسائل التي تستحلف مستلميها بالعمل بها ومن ثمّ إرسالها إلى جميع المتواجدين على القائمة البريدية الخاصة به.
ولا يقتصر الأمر على ذلك فقد أضحى بعض مستلميها يلتزمون بالتعليمات والإرشادات المرفقة معها بدقة خوفا من إصابتهم بأيّ عقاب تهدد به هذه الرسائل "المزعجة"، ومن خلال استطلاع أجراه مراسل "فلسطين" في رام الله، فقد ثبت أن معظم مستقبلي هذه الرسائل يقومون بتوزيعها وإرسالها إلى العديد من الأصدقاء بدافع ديني وتجنباً للمصائب التي تحذر منها الرسالة..
تجارية
ووفقاً للباحث الاجتماعي جهاد شبانة فإن هذه الرسائل تجارية بحتة تسوقها شركة معينة أو موقع الكتروني أو حتى شركة اتصال تحاول كسب الفائدة المادية مستغلة الجانب الديني، إضافة إلى الترهيب الذي يكون مرفقا بالرسالة مما يدفع المواطن إلى إرسالها بهدف إبعاد البلاء والشر عنه، مبيناً أن السبب في نجاح هذه الرسائل وتداولها ارتباطها بالعقاب والتحذير من المجهول مما يدفع القارئ إلى إرسالها لكل من يعرفه.
هذه الرسائل تجارية بحتة تسوقها شركة معينة أو موقع الكتروني أو حتى شركة اتصال تحاول كسب الفائدة المادية مستغلة الجانب الديني، والترهيب الذي يكون مرفقا فيها –هو سر نجاحها- وهو ما يدفع المواطن إلى إرسالها بهدف إبعاد البلاء عنه
تجاهل للقدر
"فلسطين" تتبعت هذه المسألة "المقلقة" من الناحية الدينية محاولة الحصول على موقف الشريعة الإسلامية منها، عبر التقائها بأستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة النجاح الوطنية د.خالد علوان، والذي حذر من الرسائل التي تصل إلى مستخدمي الشبكة العنكبوتية من المواقع الالكترونية والهواتف المحمولة، داعياً إلى توخي الحذر في التعامل معها، وعدم تصديق كل ما يَرِد فيها، ومن ثم العمل على نشرها بشكل سريع، ليقع في إشكال ديني.
ونوّه إلى أن بعض الرسائل يرد فيها نصوص تتضمن كفراً بالله من خلال التصديق بالعقاب الذي تحذر منه وإغفال الإيمان بالقضاء والقدر الذي هو من عقيدة المسلمين، مؤكداً أنه لا يمكن لأي إنسان التنبؤ بالمستقبل وأحداثه كما تزعم.
واعتبر د. علوان هذه الرسائل الدينية برغم فائدتها واحتوائها على العديد من المعلومات القيمة والجمة، تعد سلعة تجارية تروّج لها المواقع الالكترونية التي من شأنها نشر الرسائل من أجل جلب أكبر عدد من المتصفحين لها، والإقبال عليها، لتحصيل ربح مادي، مع عدم التأكد من صحة ما جاء فيها.
مفيدة ولكن..
وأضاف: "فعلى الرغم من احتوائها على الفائدة إلا أن النص المرتبط بها يتضمن تحذيرات لا صحة لها يلغي فائدتها، حتى أن قراءتها ونشرها يدخلان في صلب المشبوه لأن القارئ عندما يقرؤها ومن ثم ينشرها، فهو يقوم بذلك رهبة وخوفاً من العقاب الموجود فيها، وبذلك فإن اتكاله أصبح على العبد لا على الخالق.
واستشهد بقول الله عز وجل في حق نبيه محمد عليه الصلاة والسلام (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) في التأكيد على عدم علم الناس بالغيب، وقال: "الرسول عليه الصلاة والسلام ذاته لا يعلم الغيب، لذلك عندما ينشر في هذه الرسالة أن شخصا لم يقم بها ومات بسبب عدم نشرها، وأنها ومجربة، وتم التأكد منها، فإن القارئ قد أُشبع بحكمة الغيب ودخل في عقله أنه سيموت أو أنه ستصيبه مصيبة ما، أو مرض شديد".
وحث مستخدمي الانترنت لعدم الأخذ بكل ما يبث عبره، ويأتي بين أيديهم، ومراعاة الجانب الديني في التعامل مع الانترنت، والآداب الإسلامية التي تحث في معظمها على عدم إزعاج الآخرين وشغل أوقاتهم بما قد يحتوي على بعض الشبهات.
المصدر: فلسطين